فخامة الرئيس غزواني … أنتم آخر بصيص أمل للشعب فلا تخيبوه !

منذ تربعكم على قيادة الأركان العامة للجيوش ، ونحن نسمع عنكم في كافة المجالس العامة والخاصة ما تطمئن إليه القلوب ، وماتبحث عنه الأمم والشعوب من أمانة وكفاءة ومهنية ونزاهة وشفافية ، وفطنة وذكاء وصرامة في العمل ، ولكن دون أن نشاهد ذلك تجسيدا على أرض الواقع ، ولم نر له ترجمة فعلية واضحة على تلك القيادة ، ولا حتى ظهورا إعلاميا على غرار ما تعودنا عليه من ثرثرة للجنرالات ، وممارسة للسياسة في انتهاك صارخ للقانون ، وهي لعمري خصلة تحسب لكم ؛ مماجعلنا نشرئب ونتطلع طيلة تلك الفترة إلى ظهوركم ، وتقدمكم أمام رجال الشأن العام ، ولا زلنا في انتظار ذلك حتى شاءت الأقدار إعلانكم ورغبتكم في الترشح لرئاسة الجمهورية ، ولنيل ثقة الشعب الموريتاني ، وكانت تلك الدعوة لقيت قبولا منقطع النظير ، وتلبية حقيقة في نفوس هذا الشعب المطحون أملا منه في وجود من ينسيه ألم العشرية الماضية، ومعاناتها البائسة .
وقد تجسد العمل على تلبية تلك الدعوة من جميع الطيف السياسي ؛ بل من كافة الشعب الموريتاني معارضة وموالاة ، وهو ما ظهر فعليا من خلال نتائج الانتخابات الأخيرة .
الأمر الذي جعل الكل يحلم ويتفاءل ببزوغ عهد جديد يحتضن الجميع ، و يرى فيه الكل ذاته ، انسجاما مع مبدأ الوحدة الوطنية ، وعملا بنظرية التلاحم الاجتماعي ، وتطبيقا لقاعدة تكافؤ الفرص ، وإقامة العدل و المساواة على أن يتم تدشين ذلك العمل بضمان وجود شراكة حقيقة ، وانفتاح فعلي يحقق النقصود ، ويلبي الطموح بين الفرقاء السياسيين ، والفئات والشرائح من مختلف أبناء وطننا الغالي .
وقد حرصتم على الالتزام بذلك في برنامكم الطموح ، وخطاباتكم الرنانة قبل الحملة وأثناءها ، وبعد التنصيب ، وقلتم بأنكم رئيسا للجميع .
مما جعل الأمل يتنامى ، ويزداد فيكم يوما بعد يوم .

سيدي الرئيس الآن الشعب يتطلع إلى مستقبل مشرق، وعهد جديد تصالحي، ولا يخفى أن أول مظهر من مظاهر ذلك كان ينبغي أن يتجسد واقعيا في تشكيلة حكومتكم الموقرة ، والأهم في ذلك هو فتح الفرص أمام كفاءات جديدة من أبناء وطننا الغالي تعكس الشعب بجميع أطيافه وفئاته وشرائحه – وهو ما تحقق نسبيا – و لم تخدم إطلاقا مع الحكومات المتعاقبة – وقد انخرم هذ المطلب ، أو لم يطرد كليا – فلا معنى حقيقة لمن يمثل إصلاحا جديا ، ويريد تأسيسا لنهضة جديدة أن يتكئ في ذلك على أشخاص فاسدين كانوا قبله ، ولهم ملفات خطيرة ، وولاءات متأصلة لمن سبقه نتيجة الحفاظ على ممتلكاتهم ، وبغية حمايتهم من المساءلة القضائية ، وبهدف التستر على فضائح مالية كبيرة .

ولكن بعد خروج التشكيلة التي تضمنت أوجها عزيزية مازالت عصية على التغيير رغم كونها مستقبحة عند الأكثر ، ومرضية عند البعض الآخر، فقد خاب الأمل مبدئيا ، وتراجع التفاؤل واقعيا ، وتأكد استمرار نهج عشرية الجفاف والسواد مشاهدة .
ورغم أننا مازلنا متفائلين، ومتفهمين أيضا للإكراهات التي ربما عانيتموها أثناء عملكم لتك التشكيلة ، فلايخفى أن تعيينكم لبعض وزراء الرئيس السابق نتيجة تعهدات سابقة ، والتزامات قطعتموها على أنفسكم أثناء الحملة مثل تعهداتكم للشعب الموريتاني بتطبيق برنامجكم الكفيل بإحداث نقلة نوعية ، ونهضة تنموية للبلد ستنتشلونه بها من الحالة المزرية ، و الوضع البائس ، والواقع الكارثي الذي يعانيه على جميع الأصعدة والمستويات والميادين !
وإذا كان الأمر كذلك فالوفاء بالتعهدات مهما كان نوعها أمر ضروري ، ومطلب جوهري، ومن خلاله يتجسد صدق نية الملتزم ، أو عدمه، وبه يحصل الفرق بين من يفهم ماهية العهد وحقيقته ومفهومه ، ومن لا يتصور ذلك على الحقيقة، ولا يدرك معناه !!
ومن هنا فينبغي تجاوز إشكالية ماهية الحكومة، وجعل التركيز والنظر منصبا على العمل الجاد والدؤوب .
والتقويم الدقيق لذلك لايمكن أن يتجلى إلا بعد مرور سنة على عمل تلك الحكومة ، فيصعب عليها الإتيان بنتيجة سلبية أو إيجابية تمكن من الحكم عليها فشلا أو نجاحا ؛ أما غير ذلك فهو مجرد أحكام مسبقة ، وقرارات جاهزة لا تتسم بالموضوعية والإنصاف !
وأكثر مايمكن أن يقال عن تلك الحكومة أنها جاءت دون المطلوب والمتوقع والمظنون ، وفوق الأسوإ ، والأقبح ، فكانت مستوية الطرفين بين الأفضل والأردأ ؛ لأن الأفضل منها متاح تأكيدا ، والأردأ موجود يقينا ؛ إلا أنها مع ذلك تتميزت بعدة خصائص ومميزات كان لفخامة الرئيس فيها مزية السبق ، وبراعة الاختراع ، وكان من أهمها مثالا لاحصرا :
1 – وجود أوجه تكنوقراطية في أول تشكيلة له ، غير مأخوذة على معايير سياسية أوقبلية .
2 تمثيل شريحة لحراطين بنسبة أكثر مما كان يقع في السابق.
3 أن هناك وزارء لم نسمع عنهم من قبل، وتلك مظنة لنظافتهم من المال العام ، وعدم فسادهم، وتلك خطوة مهمة
4 أن الحكومة لم تشكل اعتباطيا ؛ بل تمت تشكلتها بعد دراسات عميقة ، ومباحثات ومشاورات كلفت وقتا طويلا ، ومناسب أن يكون ذلك من أجل التحري وبغية الدقة.
5 الغالبية العظمى من وزرائه ، – وخصوصا الوزارات التي تعاني من الاختلال الجوهري – راعى فيهم بصرامة احترام التخصص ، وهي مسألة لم تراع في الماضي بتلك النموذجية .
6 والأهم من تلك المميزات أن حكومته – إلى حد ما – شكلت ثورة فعلية انتقامية على ممثلي المد التصفيقي ، والنفوذ القبلي ، والجهوي ، بدل تشجيعهم ومكافأتهم على ماقدموا له تزلفا ونفاقا .
وهناك العديد من المؤشرات توحي بأن البلد دخل مرحلة جديدة ، والوضع سيتغير بجهود فخامة الرئيس وببصمته الخاصة ، خلافا لما يروج له دعاة المأمورية الثالثة ، وحراس استمرار نهج الرئيس السابق ، وما هراء نواب upr وبعض أطره، وزرائه السابقين ، وامتعاضهم من الحكومة الجديدة عنا ببعيد . وما خطاب الرئيس في أعقاب مجلس الوزراء بأن دهر التوجيهات النيرة انتهى وولى إلا خطوة في الاتجاه الصحيح ، ومطلب جوهري منتظر .

و في البداية تذكروا جيدا يافخامة الرئيس غزواني أنكم آخر بصيص أمل للشعب فلا تخيبوه ، مثلما فعل الرئيس السابق من قبل ، فقد خيب الآمال ، ودفن التفاؤل ، ووأد الطموح بعد ارتياح الشعب لخطابه الشهير ” أول مايخطر على بالي هو الأوضاع المزرية لآلاف الفقراء والمحرومين الذين يعلقون آمالا جسيمة على برنامجي … ” فقد وعد الشعب الموريتاني بالكثير لكنه أجهض ذلك الأمل في مراحله الأولى ، ووأد الطموح قبل أن يستهل صارخا ، و سرعان ما أخلف وعده ، وتنكر لهذا الشعب المطحون ، حيث بدد ثروات البلد ونهبها ، هو وأقاربه وسماسرته ، وأفلس الشركات ، وأنهك الدولة بالديون ، وتدهور التعليم ، والصحة ، والأمن إن لم تكن الثلاثة انعدمت بالماضي ، وارتفعت الأسعار ، واستفحلت البطالة في صفوف أبناء شعبنا العزيز إلى غير ذلك من المساوئ التي لاتحصى ، والكوارث التى لاتعد .

وحتى تمثل نهضة حقيقة وواقعية عليك أن تعمل على القطيعة التامة مع مسار ونهج الرئيس السابق ، وأن تعمل جاهدا على التطبيق الفعلي لبرنامجكم المتكامل.
وأنجع وسيلة لذلك هو إعطاء الوزراء صلاحيات واسعة ؛ بل عليكم أن تطلقوا لهم كامل التصرف والعنان في تنفيذ الخطط والبرامج التنموية والإصلاحية ؛ وفي المقابل عليكم بالرقابة والتقييم ، والمحاسبة العسيرة قبل التنفيذ وأثناءه وبعده.

محمد الامين باباه ديداه