رجاء،،، اجلدوني بلطف،/ محمد فال بلال

رجاء،،، اجلدوني بلطف،
لا شك أنكم مثلي قد سمعتم و رأيتم وقرأتم الكثير من الكلام الجارح والمؤلم والبذيء باتجاه بلدنا العزيز و دولتنا الوطنية بشعبها ورموزها ورجالها وماضيها وحاضرها،،، أكثر ما نملأ به صفحاتنا هو الحديث عن “أهل لخيام” و “الدخن” و “احمَيّرنا لخظر” و “هي ألاّ موريتان” و “المليون سارق” و “المليون فاشل” ووو، إلخ،،، تبدو الأمور وكأن كل شيء هنا باهتٌ وفبيح وكل شيء في الخارج مشرقٌ وجميل !؟
أود هنا التنبيه ألى أن مثل هذا الكلام لا يُعد نقدا إيجابيا يفيد معركة التطوير و الإصلاح، بل هو جلد للذات عقيمٌ وبلا جدوى. ويقول علماء النفس إن جلد الذات “سلوك سلبى ينتاب الشخص أو الجماعة او المجتمع عندما يصاب بالإحباط واليأس” (منقول)؛ فعندئذ يتصدر الفشل الواجهة وتتوارى النجاحات وتختفي نقاط القوة،،، ويتولد عن ذلك شعور سلبى يجعل الإنسان يلجأ إلى الهروب عن الفشل بدلاً من مواجهته لعجزه عن إدراك مواطن ضعفه وقوته بموضوعية. فيرى الكأس فارغة تماما.
ونظرا لذلك، فإني أنصح الجميع بالصدق والاعتدال، ومحاسبة النفس ونقدها بدلاً من جلدها حتى نتعرّف على مواطن التقصير والخطأ فنتمكن من معالجتها وتجاوزها،،، فعلا، إن لدينا مشاكل وربما نكون قد تأخرنا كثيرا بالمقارنة مع آخرين ، ولكن جلد الذات والاستمرار فى تعذيبها وإيذائها لا ولن يفيد شيئا.. فالمطلوب هو الثقة بالنفس ومعالجة أسباب الخلل،،، أعني الثقة بهذا الشعب وحبه واحترامه وتقديره والإيمان بقدراته اولا، ثم التحلى بالصبر فى علاج أى مشكلة، وإبراز الأخطاء والتعلم منها، ومحاولة إيجاد البدائل، والتوازن والحفاظ على الذات بإكرامها وعدم إهانتها أو جلدها. إنك حين تهين نفسك فإنها تهان من غيرك، لا محالة!
خلاصة القول، يتعين علينا معشر المحللين والمدونين أن ندرّب أنفسنا على نقد الذات وليس جلدها، فالنقد موقفٌ إيجابى يتيح لنا أكتشاف مواطن الضعف والقوة بموضوعية، فنُجيد قراءة أنفسنا ولا نخشى من مواجهة التحديات.
هذا وليعلم من نظر فيه أن صاحب هذه الصفحة فخور بوطنه ودولته الفتية بشعبها ورجالها ونسائها ورموزها.. و لديه ثقة تامة بأنها قادرة – ليس فقط على مسايرة الركب – بل قادرة على التطور والتقدم والنماء..
واسمحوا لي هنا أن أتطرق لقصة قصيرة قد تكون معبرة عما أريد الوصول إليه.
عام 1967، كان بلدنا يعيش مخلفات أحداث 66 المعروفة لدى الجميع. وكنا نحن في القسم النهائي المحضر للبكلوريا في ثانوية انواكشوط. وأذكر أنه في يوم من الأيام، جاء السيد “البير” مسؤول التعاون الفرنسي في سفارة فرنسا لدى بلانا، جاء لزيارة زوجته وهي أستاذة لمادة التاريخ والجغرافيا في الثانوية. واغتنم الفرصة ودعا بعض التلاميذ من مختلف الأتنيات والتوجهات لتناول العشاء في بيته داخل حصن السفارة. وهناك، سدّ عليهم الأبواب والنوافذ وفتح معهم نقاشا ساخنا حول اللغات والهوية وأحداث 66.. وامتلأت القاعة بالخصومات والغي والصراخ.. فالتفت إلى الحضور، وقال: ما دامت الحالة هذه اليوم، فإن موريتانيا زائلة لا محالة بعد عقد أو عقدين… لو كان “السيد ألبير” معنا اليوم لقلت له”: سيدي ، نحن الآن في العقد الخامس بعد وعدك ذاك، وكادت السينغال ان تنشطر بسبب كازماصة، وكادت مالي أن تنقسم إلي دولتين، وكادت ساحل العاج ان تنقسم إلى شمال وجنوب، وزال جدار برلين، وتقهقر الاتحاد السوفياني، واختفت دول كثيرة… وها هي موريتانيا موجودة! صحيح أن لها مشاكل مستعصية، ولها نواقص ونقاط ضعف كبيرة وكثيرة؛ ولكنها موجودة وقابلة للتطور وتجاوز المطبات والعراقيل.
ويحضرني هنا قول الكاتب السوداني الطيب صالح: لدينا وطن مهما بلغت به التعاسة؛ هل نضيعه؟
عودٌ على بدء… اجلدوني بلطف،،، إني من الدخن وأهل لخيام و ما إلى ذلك مما تصفون به الشعب..
والسلام.