كيف تخلت موريتانيا عن فكرة أول مهندس زراعي فيها وطبقتها السينغال؟

كيف تخلت موريتانيا عن فكرة أول مهندس زراعي فيها وطبقتها السينغال؟

ثلاثة أيام من تعطل إمدادات الخضروات من المغرب كانت كافية لإظهار مدى هشاشة بلدنا، وأنه يمكن قتلنا بأبسط شيء -قطع الإمدادات عنا- سواء من الشمال أو من الجنوب.. والسبب طبعا انعدام الرؤية البعيدة والتخطيط الاستيراتيجي لدى قادتنا ولأسباب مختلفة أهمها الانشغال بالسيطرة على الكرسي منذ انقلاب 1978.

وهكذا مرت السنوات دون أن تكون لنا استيراتيجية زراعية ناجعة رغم إنفاق مئات المليارات على مدى ثلاثين سنة على زراعة الأرز الذي لم يستطع أن ينافس إلا بعد أن تدخلت الدولة وفرضت ضرائب باهظة تتجاوز مائة في المائة على الأرز المستورد جعلت المستهلك الفقير يدفع ثمن كيل الأرز مضاعفا مرتين في كل يوم: ضعف لتعويض الضريبة وضعف لتعويض التاجر (أما الغني فلا علاقة له به لأنه يقتات على أرز بسمتي) بينما يباع نفس الأرز في السينغال بسعره الطبيعي(أقل من النصف) ومن يحاول استيراده من السينغال تقف له الجمارك بالمرصاد…

أذكر أنني كنت في بداية التسعينات ألتقي الأستاذ عبد الله ولد محمد سيديا رحمه الله تعالى أول مهندس زراعي موريتاني وصاحب فكرة مشروع آفطوط الساحلي العبقرية التي لم تنفذ في النهاية: كانت فكرته لآفطوط الساحلي تتلخص في شق قناة مائية من نهر السينغال إلى انواكشوط عبر آفطوط الساحلي الذي سلكه سيل لگوارب 1958 حتى وصل إلى انواكشوط مع تفادي المناطق الملحية حيث ستغير هذه القناة بيئة المنطقة وتحولها إلى منطقة ذلت مناخ استوائي وستسمح بإنشاء مستعمرات زراعية كثيرة على ضفتيها تتصل بلكوارب وشمامه كما ستخلق جوا سياحيا رائعا وأخيرا ستجلب مياه الشرب إلى انواكشوط..

لكن ماذا وقع؟
بعد سنوات من الأخذ والرد تخلت السلطات الموريتانية عن هذه الفكرة واستبدلتها بفكرة لا مردودية لها ولا تنطوي على أي طموح تتلخص في أنابيب تجذب ماء نهر السينغال إلى انواكشوط لسقي ساكنته.. ونفذت هذه الفكرة بمنتهى الغباء من جهتين:

الأولى من جهة أن محطة معالجة الماء بنيت على مداخل انواكشوط بدلا من أن تبنى على مخارج الكوارب والنتيجة أن جميع القرى والحواضر الواقعة بين الكوارب وانواكشوط لا تستطيع أن تستفيد من هذا الماء إلا إذا مدت لها أنابيب جديدة راجعة من انواكشوط بعد معالجة الماء..

والثانية من جهة أن انواكشوط غير مزود بصرف صحي قادر على امتصاص 140 ألف متر مكعب من الماء تأتيه يوميا عن طريق آفطوط الساحلي فظلتت تتسرب في التربة حتى تشبعت واتصلت بمياه البحر وأخذت تطفو هنا وهناك مهددة تربة انواكشوط في أي لحظة بالانهيار والغرق.

فوا أسفا على بلد هذه سلطاته وهذا تسييره.. ورحمة الله تعالى على المهندس الزراعي الفذ عبد الله ولد محمد سيديا الذي أراد بفكرته لموريتانيا أن تستفيد استفادة هائلة من نهر السينغال فأبت فطبقتها السلطات السينغالية في السينغال بعد أن تخلت عنها موريتانيا.
الأستاذ الحسين بن محنض