إبراهيم بن بوشيبه: رجل أحب الحياة للآخرين.. رحم الله السلف وبارك في الخلف

ألما على معن وقولا لقبره … سقتك الغوادي مربعًا ثمَّ مربعا

فيا قبر معن أَنْت أول حُفْرَة … من الأَرْض خطت للسماحة مضجعا
وَيَا قبر معن كَيفَ واريت جوده … وَقد كَانَ مِنْهُ الْبر وَالْبَحْر مترعا
بلَى قد وسعت الْجُود والجود ميت … وَلَو كَانَ حَيا ضقت حَتَّى تصدعا
فَتى عِيش فِي معروفه بعد مَوته … كَمَا كَانَ بعد السَّيْل مجْرَاه مرتعا
حسين بن مطير الأسدي

في كبد الألم حفرت الدموع مسيل بطاح العطاء والنبل والوفاء والوسامة الأنيقة؛ بطعم لوعة نكسة حزيران في الربيع السابع بعد الستين ؛ بعد احتفاء أسرة محترمة من نخبة الأخلاق والعطاء، في منتصف العام الرابع لبطح خيام معسكرات الحرب العالمية الثانية، احتفت مدينة الشيخ سيديا الكبير، بالرضيع المبارك الميمون، الذي أصبح من أبرز رجالات موريتانيا الذين صنعوا أهم وأكبر أحداث القرن العشرين في حياة الدولة والمجتمع. رحم الله روح إبراهيم بن بشيبه، وتقبله في أعالي الفردوس.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
****
من مروره العابر في عالم أثراه نبلا وعطاء، سأستل من بستان الذكريات الجميلة ورودا و أزهارا نالني رحيقها واحتضنت برعمها لحظة تأهب نحو العلياء، إنصافا لرجل أحب الحياة للآخرين وضحى من أجلهم إلى آخر لحظة، مطمئنا على سرير بأحد مستثفيات العاصمة، ليرقد جسده الجميل في رياض “البعلاتية” بين الأولياء والصالحين من أهله.
****
امتلأت، صغيرا بمتعة الإصغاء إلى حديث الكبار عن أناقة أول مسؤول إداري ومالي لرئاسة الجمهورية، وتابعت باحتفاء فائق نجاح رجل أعمال شاب في تجاوز حيز فشل حكومات عدة في مواجهة الجفاف، عبر إنشاء أول مصنع لأعلاف الحيوانات على أراضي الجمهورية، وعايشت الحاذق الشجاع في عترة رفض تسعينيات القرن العشرين، ليصبح لاحقا الممول والمناضل الأول لفصول مشهد الرفض الديمقراطي التقدمي؛ عرفت كذلك الوالد الحنون والمثقف المتواضع بقناعة من فولاذ ووفاء يتحدى الخوف ودفق الخراج.
****
كان إبراهيم؛ مؤمنا قويا، وطنيا، تقدميا؛ كرس حياته للتجسيد الفعلي لجمال أفكار سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية عملاقة في واقع العدالة والمساواة، وفن إسعاد الضعيف ومقارعة القوي ذودا عن حق المغبون في بوادي وقرى ومدن الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
****
في آخر ربيع من القرن العشرين، كنت أحمل وطء خيبة أمل جيلي في مدن “العالم الحر”، وكان إبراهيم ولد بوشيبه يحمل إلى بغداد العرب الأمل من ضاحية باريس المترفة “بولون بيانكور”، حيث دفع بملف منظمة “أوروبا/العراق”، التي لاقت دعم الكثير من النخب الحقوقية والسياسية الفرنسية، التي رافقت إبراهيم في مشروع جسر جوي يرفع الحصار عن العراق، لتستقر قافلة الأمل على أحد مدرجات مطار عمان الدولي، وتبدأ رحلة الصحراء طريق الإنتصار لبغداد.
****
لصالح “جبهة أحزاب المعارضة”، في تسعينيات القرن العشرين، فاوضت رفقة إبراهيم بن بوشيبه المنظمات الطلابية والنقابية، والحقوقية؛ فتعلمت السمو بالحق وفنون المراوغة الا ستراتيجية، ومراس الرجال، والذود عن سيادة المبادئ على حوزة الأخلاق؛ ورفقة أبي الأمة الرئيس المختار ولد دداه، في العقد الأخير من القرن العشرين، دخلنا قصور ملوك ورؤساء العالم لتسهيل دعوة الرئيس الراحل لدعم المعارضة التقدمية في ملحمة التغيير.
رحل إبراهيم بن بوشيبه، وبقي في القلوب لحبه متسع بوقود الشعر وطعم الدموع، ونسيم الكبرياء؛ رحم الله الكبير إبراهيم بن بشيبه.

ولاننسى الابن البار رجل الأعمال الشاب محمد ابراهيم بوشيبه، الذي كان بحجم التطلعات، ليصبح خير خلف لخير سلف ، الذي خدم وطنه، وقد قل نظيره، في هذا الومن، ثقافةً وفكرا وشهامةً ونبلاُ واستقامةً وتواضعا .

تستحق هذه الشخصية الوطنية الفذة الإشادة والشكر لما قدمه ويقدمه للوطن ، لا تعتقد أنها مغالاة لأن القاعدة الشرعية تقول: “من لا يشكر الناس لا يشكر الله”، هو شخصية فذة واعية مفعمة بالإنسانية والنبل و يملك فكرا عاليا، رجل نزيه ويعامل الناس كلها سواسية ولا توجد في قلبه العنصرية والحقد الطبقي، إنه يعيد إلينا الأمل بأن نشاهد وجوه تخدم مصالح الوطن وتساهم في نهضة المجتمع الموريتاني في محيط من الخراب والتخلف والفساد والفشل والمحسوبية على مختلف الأصعدة.

إن رجل الأعمال محمد ابراهيم بوشيبه، من أولئك الرجال الأوفياء الذين حققوا بجهدهم وحرصهم طموح المجتمع وسعادة أفراده، فأنجزوا ما وعدوا، وسعوا إلى حيث أرادوا.. فتحقق لهم الهدف، ونالوا الغاية، وسعدوا بحب المجتمع وتقديره… هؤلاء الرجال لا يريدون بأعمالهم جزاءً ولا شكوراً…. فُطِروا على بذل الخير، فوجدوا القبول والاحترام من أفراد المجتمع.
أعجبنا الرجل بتواضعه وحلمه ، فهو يسعى إلى تحقيق النجاح فكان النجاح ملازماً له في أعماله ومسؤولياته…. .
رحم الله الابن البار و حفظه ، ورحم الأب وأسكنه فسيح جناته.