كانوا لا يتناهون عن منكر

في الاسبوع الماضي كتبت مقالا بعنوان ” لعبة فرقاء .. وشعب يتفرج ” بينت فيه أن الجماهيرغير مكترثة بما يدور بين النظام والمعارضة في هذه الأيام لأن كلا الطرفين لم يطالب بالقضايا التي تهم الشعب ، ذلك أن الخط الأحمر ليس له حظا في سلم التفضيلات لشعب يعاني وأمة قد يتعرض نسيجها الاجتماعي للتفكك ، كما أن أطيافا كثيرة في المعارضة التي لا يجمعها ناظم واحد قد تأكد في هذا الدور ـ على الأقل ـ أن حرصها على الدستور تسوده الإنتقائة والبرغماتية ، ذلك أن دفاعها المستميت عن المادة 99 من الدستور التي هي محل خلاف بين فقهاء القانون الدستوري بسبب منطوق المادة 38 ، لم نجد له مثيلا عندما يتعلق الأمر بانتهاك النظام للمادة 6 من الدستور التي لا يوجد خلاف فقهي على دلالتها لأنها تنص صراحة “على أن اللغة الرسمية هي العربية ، واللغات الوطنية هي العربية والبولارية والسوننكية والولفية “.

 

وإمعانا في هذا النهج فقد تأكد في نهاية إحدى محطات هذه اللعبة وبداية منعطفات أخرى حاسمة وخطيرة أن انتهاك الدستور هوسمة المرحلة ، أوأنه اتفاق ضمن المسكوت عنه حيث لم يندد أي من المعارضة الرسمية والنظام بالخرق الواضح للدستور عندما أصدرت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات بيان نتائج الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية باللغة الفرنسية ، ومن المفارقات أن هذه الهيئة يُفترض أنها من الهيئات الساهرة على حماية الدستور.

 

ومع ذلك فإن الموريتانيين الذين استلهموا من المقاومة الثقافية أساليب وإبداعات غير مسبوقة ولا تمت للموالاة والمناكفات الحزبية بصلة قد وقفوا زرافات ووحدانا دفاعا عن لغتهم ، حيث وصف الكتاب والمدونون الأمر بأنه تبعية للمستعمر، وخرق فاضح للدستور ، كما أصدرت  جمعية أمناء الضاد بيانا جاء فيه : ” تابعنا، والشعب الموريتاني الأبي، فضيحة؛بل جريرة؛ قراءة بيان اللجنة الوطنية للانتخابات؛ حول نتائج الاستفتاء ، بلغة أجنبية هي لغة المستعمرالفرنسية. وإننا ، إذْ نستنكر ونشجب ونندد بهذا الفعل اللادستوري الفاضح الصادر عن هيئة دستورية ، لنلزم، بحكم القانون،الجهة المعنية، باتخاذ ما يلزم ،في هذا المقام، ردْعاً لسفاهة ارتُكِبتْ وكرامة شعب انتُهِكَتْ، وصوناً لقداسة لغة مُسَّتْ، وثأرًا لدماء الشهداء “.

 

كذلك فإن المركز الموريتاني للدفاع عن اللغة العربية قد استنكرهو الآخر قراءة بيان اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات باللغة الفرنسية ووصف هذا التصرف بأنه “خرق واضح للدستور”، وداعا رئيس اللجنة إلى الاعتذار للشعب الموريتاني عن إﻫﺎﻧﺗﻪ ﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺭﺑﻳﺔ ﻭ ﺗﻬﻣﻳﺷﻪ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﺍﻟﻭﻁﻧﻳﺔ ﺍﻟﻔﺎﺭﻗﺔ.

 

ويفهم من هذا أن المنازلة في هذه المرة بين الشعب من جهة والنظام والمعارضة من جهة ، ذلك أن المعارضة في بلادنا لا يهمها إذا انتهكت أي جهة الدستور ما دام الأمر يتعلق باللغة العربية ، لأنها لا تدرك أن العمل السياسي في حد ذاته هو احتراف تحقيق مصالح المجتمع ، ويحتاج لولوج مدارس الاعداد الحزبي والتضلع من التربية الحزبية بوصفها من المحددات الحديثة التي تسهم بشكل كبير في تنشئة الأفراد وتدخل في حياة الأحزاب والتنظيمات ، بغية إعداد البرامج البديلة وهذا لايمكن الحصول عليه دون إعداد الكادر اللازم لإنجازالمهام ، وتولى الكفاءات السياسية والثقافية زمام القيادة، بدلا منسيطرة الطابع النخبوي ولفرانكفوني والشعوبي على هذه الأحزاب بشكل دائم .